3. الزنا

إنّ الزّنا سلوك رفضه العقل البشري وأنظمة الأخلاق والحقوق وجميع الشرائع السماوية منذ الأمد البعيد كلّياً وحَكَمَتْ بخطئه. يتسبب الزنا باختلاط الأنساب وتشتت العائلة واهتزاز جذري للقيم المعنوية والأخلاقية في المجتمع بانحلال روابط كالقرابة والجوار والصداقة. ويجعل كرامة الإنسان وشرفه تحت الأقدام بتصييِره أسيراً لمتعه الجسدية.

ثم إن البغاء يفتح الطريق لانتشار الاتِّجار بالنساء ولاستخدامهن مصدراً للرزق ولظهور سماسرة النساء، ويقضي على شرف وكرامة الأنوثة والأمومة.

ومن ناحية أخرى فإن للزنا الكثير من الأضرار على الصحة، ولوحظ إصابة الناس المنغمسين في مستنقع الزنا بالعديد من الأمراض المعدية كالزهري والسيلان، ومرض الإيدز المميت الذي عجز الأطباء في يومنا على إيجاد علاج له ينجم عن الزنا على الأغلب.

والحق تعالى يحب عباده كثيراً ولا يريد وقوعهم في مثل هذا الأمر البشع، ولذا يحظر الاقتراب منه فضلاً عن تحريمه، يقول الله تعالى في هذه الآيات الكريمة:

{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (الأنعام، 151)

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا اِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيْلَاً} (الإسراء، 32)

أي ينبغي عدم الاقتراب من أي طريق ووسيلة تمهّد للزنا.

يبين الرسول صلى الله عليه وسلم كم للنظرة من ضرر على القلب، فيقول في الحديث الشريف:

النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ (الحاكم، 4، 349 / 7875؛ الهيثمي، 8، 63)

ولذا فإن الإسلام يأخذ التدابير اللازمة التي تكوِّن المرحلة الأولى؛ من عدمِ كشفِ العورات بل سترها على النحو الذي عرّفهم به الدين، إلى جانب تجنب إحداث حركات تثير الطرف الآخر، وعدم اختلاء الرجل الأجنبي بامرأة، ومنع التكشف والفحش، وشجبه الكلام المثير للناس، والنظر والعلاقات القريبة بين الجنسين، لأنها أمور ممهِّدة للزنا من هذا النوع.

ثم إنّ الإسلام لم يكتف بهذا بل يكلف العائلة والمجتمع بتربية الأطفال وعدم تأخير الزواج من غير ضرورة وتيسير الزواج والمحافظة على القيم الدينية والأخلاقية.

وحسب ما فهم من هذا فليست غاية الإسلام معاقبة المذنبين، وإنما توفير حياة من الأمن والطمأنينة للناس من خلال الحيلولة دون ظهور وسائل المعصية في المجتمع، وبذلك فمن النادر جداً العثور على حوادث أقيم فيها حدّ الزنا على مدى التاريخ الإسلامي، ومن جهة أخرى فإن الحق تعالى قد يريد حماية بعض العاصين من أضرار أكبر وعذاب أبدي بابتلاءهم ببعض المصائب الدنيوية لتنبيههم، فيرسل إلى الزناة أيضاً بعض المصائب، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله:

لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ” (ابن ماجه، الفتن، 22؛ البيهقي، شعب الإيمان، 5، 22)

إن الزنا الذي يُلحق بصاحبه ضرراً كبيراً وشيناً وسوء سمعةٍ يوم القيامة ويسوقه إلى عذاب أليم وشديد ومروّع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

إنه أتاني الليلةَ آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما … فأتينا على مثل التنُّور فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطَّلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عُراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ … وفيه: وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي (البخاري، التعبير 48، الجنائز 93؛ الترمذي، الرؤيا، 10 / 2295)

ثم إن أفعالاً غاية في السوء كاللواط والسحاق هي من الكبائر أيضاً كالزنا تماماً، ويدرك مدى سوء وخطورة هذا كل صاحب عقل سليم.

إن الإسلام حرم بشدة الذنوب الكبيرة التي تلحق أضراراً فاحشة من وجوه عدة، ومنها عدا ما سردناه هنا: قتل النفس، والسحر، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْف المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ، والكذب، والظلم، والخيانة، والتكلم بحق الناس بما لا يسرهم في غيبتهم (الغيبة)، والافتراء، والسرقة.[1]



[1] انظروا: البخاري، الشهادات 10، الوصايا، 23؛ مسلم، البر، 55، 56؛ أبو داود، الأدب، 35 / 4875؛ أحمد، 3، 135، 154.

%d bloggers like this: