إن ربنا رحمته عامة أراد اليسر بعباده دائماً، ويسر الإسلام ظاهر من كل جوانبه، فلا يجب علينا نفض أيدينا من الدنيا أو التعرض إلى المشقة والبلاء على الدوام أو الابتعاد عن جميع ملذات الدنيا حتى نعيش الدين. وإن الدخول في الإسلام والقيام بموجبه سهل فأضعف الناس يتمكن من تطبيق تعاليمه.
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (البقرة، 185)
{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج، 78)
{يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء، 28)
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أحد مبادئ اليسر:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
“يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ” (البخاري، التوحيد 35، الرقاق 31)
وأخبرنا أصحابه صلى الله عليه وسلم بأنه كان رَجُلًا سَهْلًا لطيفاً ليناً يؤلف بسهولة ويسهل الأمور دائماً. (مسلم، الحج، 137)
وجدير بنا هنا ضرب بعض الأمثلة الموضحة يسر دين الإسلام:
– إن الإنسان مكلف بما يتناسب وطاقته وإمكانياته فلا يطلب منه ما هو عاجز عنه ولن يكون مسؤولاً عما ليس في يده وما هو خارج تحمله وفي الآية:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة، 286)
– التدرّجُ أمرٌ أساسيٌّ في الإسلام ولم يصدر النهي عن المحرمات المنتشرة آنذاك كالخمر والربا والزنا دفعة واحدة، بل كان تحريم بعضها على ثلاث أو أربع مراحل.
– لا بد من التوضؤ بالماء لإقامة الصلاة. ولكن في حالة عدم توافر الماء أو توافر ولكن استخدامه قد يؤدي إلى سوء الحالة الصحية حينها يتعذر الوضوء ويحل التيمم بالتراب محله.
– رخّص الله تعالى للمسافرين في صلاة الفريضة حيث جعل الفريضة البالغة أربع ركعات تؤدى بركعتين بناء على أن للسفر مشقة وضيقاً في الوقت.
– يلزم المسلم تأدية الصلاة قائماً إلا أنه بإمكان العاجز عن القيام تأدية الصلاة قاعداً أو مضطجعاً أو بالإيماء حسبما يسمح به حالهم.
– يتلو المؤمنون من القرآن ما تيسر لهم منه سواء في الصلاة أو خارجها في حياتهم اليومية وما من حد يلزم الناس في هذا الشأن. (المزمل، 20)
– تأدية العبادة غير مرتبط بأماكن خاصة فأي مكان نظيف يمكن أن تؤدى فيه العبادة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
“أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لي الْمَغَانِمُ ولم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس كافة” (البخاري، التيمّم، 1)
– قد يشق الصيام على المرضى والمسافرين إلى حد يضر بصحتهم، ولذا هم مخيرون بين الصيام في رمضان وعدمه. وفي حال لم يصوموا عليهم قضاء ما أفطروه بعد التماثل للشفاء أو العودة من السفر.
– بإمكان المسلمين الواجب عليهم تأدية فريضة الحج تأجيل ذلك فيما لو طرأ مرض أو انعدم الأمن لحرب أو ما شابهه إلى أن يزول الخطر.
– إن الله تعالى أظهر اليسر في رعاية الأيتام وكفارة اليمين والنكاح والمهر والطلاق والنفقة على العائلة والعبادة والقصاص والوصية والعقود وعند اقتراض المال ورده وكل ما هو من هذا القبيل من المعاملات وطلب من المؤمنين أن يتعاملوا على هذا الأساس.[1]
إن تكثير هذا النوع من الأمثلة ممكن.
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: “هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ؟” قَالَتْ لِي: “رُبَّمَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَرُبَّمَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ” قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الدِّينِ سَعَةً” (أحمد، 6، 166)
وعَنْه عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: سَأَلَهَا رَجُلٌ: “هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا قَرَأَ؟” قَالَتْ: “نَعَمْ، رُبَّمَا رَفَعَ، وَرُبَّمَا خَفَضَ” قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الدِّينِ سَعَةً” قَالَ: “فَهَلْ كَانَ يُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ؟” قَالَتْ: “نَعَمْ، رُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ” قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الدِّينِ سَعَةً” (أحمد، 6، 167)