8. يجعل الناس سواسية

عدَّ الإسلام جميع الناس مخاطَبين بالوحي، فهم أجمعون أفرادٌ في عائلة البشرية التي تؤطّرهم بغض النظر عن الفوارق العِرقية والدينية والجنسية والطائفية بينهم ويعرِّفهم بأنهم ينتمون لأب واحد وأمٍّ واحدة ويلقّنهم أنَّ بعض الفوارق الموجودة بينهم إنما هي وسيلة للتعامل الإيجابي المشترك لا للعداوة فيما بينهم وإن انحدار الناس من أعراق مختلفة وتكوينَهم لمجتمعات متنوعة ما هو إلا اختبارٌ لهم في النِّعم المُعطاة لهم وسبيلٌ لتسابق الناس في الغايات والأهداف المشتركة والاتفاق على الخير.[1]

ثم إن الأفضلية بين الناس في الإسلام لا تُقاس بأمور متعلقة بالقدَرِ موجودة إلزاماً وخارجة عن الاختيار كالعِرق واللّون والمِلّة بل بماحصّله من درجة القرب إلى الله تعالى والتقوى منه. وكذا فإن أشياء كالغنى والجمال والقوة وبلوغ مكانة شريفة أو الوصول إلى مرتبة عالية لا تعَدُّ وسائل للأفضلية. بل لا بدّ مِن معرفة أنها مِن نِعم الله تعالى ينبغي تأدية شكرها بأحسن ما يمكن، وشكر النعم يتحقق بجنسها، إنّ النّعم التي يتفضّل الله بها على عباده في الدنيا كالأسئلة المُعطاة للطلبة أثناء الامتحان فلا يفتخر الطالب أبداً بالأسئلة المعطاة له وإنما يسعد بالدرجات التي اكتسبها مقابل أجوبته، ولذا وبما أن أجر توظيف النعم التي تفضّل الله بها على المؤمنين لابتلاءهم فيما ترضي الله تعالى سيكون في الآخرة فما من سببٍ لافتخار المسلم بنفسه وجعلها تسمو على الغير في هذه الدنيا، بل إنّ مثل هذا التصرّف صاحبُه مخدوع.

لقد قال أبو حازم أحد التابعين: ” كل نعمة لا تقرب من الله عز وجل فهي بلية”.

ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل رحمة للعالمين فإنه لما احتاج مرة للتعريف بصفاته السَّميَّة أخبر بها مع تكراره قول “ولا فخر” مرات عديدة. (الترمذي، المناقب، 1/ 3616، الدارمي، المقدمة، 8)

إذاً فالمؤمن الذي يهتمُّ بأوامر الله تعالى أفضل مِن نقيضه. فالعِرق ليس إلا عائد إلى الجسد الفاني، والجسد عبارة عن رداء أُلبِس الروح، وأما الروح فهي أبدية لا عرق لها لأن الأرواح جميعها آتية من الله تعالى.[2] يقول تعالى في القرآن الكريم:

{يَا اَيُّهَا النَّاسُ اِنَّا خَلَقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا اِنَّ اَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ اَتْقَاكُم اِنَّ الله عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ} (الحجرات، 13)

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه” ( مسلم، الذِّكر، 38، ابن ماجة، المقدمة، 17)

وفي يوم فتح مكة خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فقال لهم:

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عصبية الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ” (الترمذي، التفسير، 49 / 3270؛ أبو داود، الأدب، 110 – 111 / 5116)

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ” قَالُوا: “بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ” (أحمد، 5، 411)



[1]ـ المائدة، 48؛ البقرة، 148.

[2]ـ الحجر، 29؛ السجدة، 9؛ ص، 72؛ الأنبياء، 91؛ التحريم، 12.

%d bloggers like this: